الاثنين، 1 ديسمبر 2014

قطة مها

قطة مها
 
ألم أقل لك ألا تركضي أثناء تناولك للطعام ؟ ألم أنبهك ألا تعبثي بين زهوري ؟؟ ألم أنصحك بأن تنامي بجانبي عندما أكون نائما ؟؟ لم لا تسمعين الكلام ..؟؟لم لا تعملين بالنصيحة ؟؟أنا أريد مصلحتك ..أنا أريد لك مستقبلا مشرقا ..أريد أن أفتخر بك أمام أصدقائي وأقربائي ..أريد أن يمدح الجميع تصرفاتك الحسنة وأخلاقك الطيبة  لتكوني قدوة لغيرك ..أنا أحاول ألا أعنفك أمام الآخرين ..لقد حان الآن  وقت العقاب..  لابد من العقاب حتى لا تعودي لفعلتك البشعة ثانية ...هذه العبارات دخلت إلى أذن عائشة المستلقية على سريرها متعبة بعد أن أنهت من كتابة واجباتها اليومية التي لا تنتهي ..تعجبت مما سمعته فالعبارات موجهة من أختها الصغيرة مها ولكن لمن توجهها ؟؟؟ فلا أحد في المنزل ..أمها ذهبت لزيارة جدتها ..ووالدها مازال في عمله ..فهو يعود في ساعة متأخرة فهو يعمل طبيبا في إحدى العيادات الخاصة ..أخوها الأكبر في رحلة مدرسية لفريق الكشافة ....العبارات التي سمعتها هي عبارات يكررها والدي لأخي الذي يكبرني بأعوام وهو ليس في البيت الآن ..إذا أختي الصغيرة مها لمن توجهها ؟؟..تركت عائشة غرفتها وذهبت لتتبع الصوت ..خلف باب المنزل رأت عائشة أختها الصغرى مها بيدها العصا تضرب بها قطتها ..قائلة لها لا أريد أن أعاقبك أمام الجميع منعا للإحراج ..هنا لن يراك أحد ..تحاول القطة الهروب من عصا مها لكن مها مصممة على تأديبها ..علت مواء القطة مستنجدة ومها تحاول ضربها ..فمرة تصيب ومرة تخيب ....أمسكت العصا وأخذتها من يد مها وفرت القطة هاربة تبعتها مها مهددة إياها تركض وراءها ..عودي بسرعة وإلا أشبعتك ضربا بالحذاء عودي فورا ..لقد دللتك كثيرا وهذا خطئي ..وقفت عائشة مذهولة مما تسمعه من أختها الصغرى ..أخذت بيدها بعد أن هدأت من روعها ..أجلستها بهدوء ..ثم سألتها لماذا تضربين قطتك المفضلة يا مها ؟؟..ما رأيتك قاسية عليها قط ..ما الذي أغضبك منها ؟؟ما الخطأ الذي ارتكبته القطة حتى تصبي عليها جام غضبك ؟؟ردت مها ..بجدية :هي لم تعد تسمع الكلام ..هي لا تسمع النصيحة ..أريد لها مستقبلا مشرقا ..أريد أن أفتخر بها أمام أصدقائي ..ألم يقل والدي ذلك لأخي أيمن ؟؟لم هو يسمع نصيحة أبي وهي لا تسمع نصيحتي لابد من معاقبتها ..تركت مها الكرسي وأطلقت ساقيها للريح باحثة عن القطة ..مرددة كيف سأفتخر بك وأنت عاصية ..شعرت عائشة ولأول مرة أنها لا تحسن التصرف مع أختها الصغيرة ذات الأربع سنوات ...ماذا ستقول لها كيف ستقنعها بأن ما تفعله خطأ ...عادت مها أدراجها ..خاوية اليدين باكية ..تردد لا أدري أين ذهبت قطتي أريد قطتي أريدها فورا ..بدأت بالبكاء ..ومها إذا بدأت بالبكاء لا يستطيع أحد أن يوقفها ..وجدت عائشة نفسها في موقف  صعب  صعب للغاية ..طفلتهم المدللة تبكي ..قطتها هربت من التعذيب .. البيت خالٍ ..حاولت اسكات  أختها الصغرى ..أغرتها بالحلوى ..أخذت مها الحلوى لتأكلها وهي  مستمرة بالبكاء...أحضرت لها لعبتها المفضلة أخذتها لتحضنها  ومازالت تبكي ..أريد قطتي.. وتبكي ..تأكل الحلوى ..تمسك بلعبتها ..وما زالت تبكي ...دخلت أمها إلى المنزل حاملة قطة مها ..ما إن رأت مها قطتها حتى هجمت على أمها ..ها قد جاءت الهاربة ..أين وجدتها يا أمي ؟؟لقد هربت مني بينما كنت أقوم بتأديبها هاتها يا أماه ...لا لا لا يحق لك ذلك يا مها ليس قبل أن أعاقبك أولا ..سكتت مها ثم قالت لم ستعاقبينني أنا ما فعلت شيئا يغضبك ؟؟ رددت الأم حقا يا مها .لنرى ..أولا تمشين حافية القدمين ..أما قلت لك ألاّ تمشين حافية القدمين ؟؟ انظري إلي أسنانك أنت لم  تنظفيها بعد وقد حان موعد نومك وأنت خارج سريرك ؟؟ما رأيك ؟؟ ارتكبت الكثير من الأخطاء ولابد من العقاب ..جالت مها ببصرها وقد عقدت حاجبيها ..واضطربت شفتاها ..واستعدت لتعيد نوبة البكاء من جديد ..هي تألف البكاء ..عقدت بينه وبينها صداقة حميمة فهو ملجأ تلوذ به إذا اشتد بها الخطب أو إذا رأت نفسها أنها ستكون خاسرة في إحدى المعارك  الضارية مع أختها أو أخيها أو قطتها ....تنظر للقطة ثم تنقل بصرها لعائشة أختها ثم  تسترحم أمها ..سامحيني يا أمي لن أكرر فعلتي هذه.. كررت الأم كم مرة نصحتك يا مها ؟ كم مرة سامحتك؟؟ ..أريد أن أفتخر بك بين صديقاتي بحسن خلقك ليس بإهمالك ..رددت مها هذا ما كنت أقنع به قطتي ولكنها لا تسمع النصيحة..حاولت الأم كتم ضحكة كادت أن تخرج رغما عنها ..أعادت ما قالته مها المدللة ..حاولت ماذا ؟؟رددت مها : هذه القطة التي بين يديك لا تسمع الكلام ..قالت الأم وأنت يا مها  أتسمعين الكلام؟؟ هيا أجيبي ؟؟ وقفت مها تبحث عن الجواب وجدت نفسها تلعب لعبة الكلمات المتقاطعة ...تبدأ بجملة وتنهاها بكلمة من جملة ثانية .. تحرك مها رأسها يمنة ويسرة وتحرك يديها ..تعبث بأصابعها ..تعبث بالشريط التي تربط بها شعرها الأسود الطويل .. فمرة تضعه في فمها ومرة تلفه على أصابعها ...والأم تتابع استجواب ابنتها ..ثم قالت :سامحيني يا أمي هذه المرة وسأسمع كلامك.. أعدك بذلك .. سأذهب الآن لأنظف أسناني ولن أمشي حافية القدمين ثانية ..بقي الآن أن تعدني قطتي أن تسمع كلامي أليس كذلك يا أمي ؟؟تركت مها المكان وذهبت لتنظف أسنانها ..سردت عائشة  لأمها ما فعلته مها بقطتها..وكيف أنها كانت تخاطبها كما كان والدها يخاطب أخيها ناصحا إياه .. وقالت لها العبارات التي كان والدي يسمعها لأخيها الأكبر .. وكيف كانت مصممة أن تسمع القطة كلامها وكيف أتعبتها بتعنتها وتشبثها برأيها.... فردت الأم من أجل ذلك وجدت القطة خارج الحديقة ..إذا كانت القطة هاربة من سوء تصرف مها معها ..حسنا يا مها سألقنك درسا لن تنسيه أبدا .. عادت مها مسرعة ..لبست حذاءها ..نظفت أسنانها ...ما رأيك بابنتك المطيعة يا أمي ..(تسأل مها أمها  ) هزت الأم رأسها بالإيجاب ثم سألتها ..لم كانت القطة خارج البيت يا مها ؟؟ وجدتها خارج الحديقة كأنها هربت من شيء ما ..أليس كذلك ؟؟ ردت مها بارتباك .. لا أدري  كنت معها ألهو ثم حاولت تأديبها فما سمعت كلامي  ثم هربت مني ...ضربت قطتك يا مها؟؟ ..سألتها الأم ..لا يا أمي فقط حاولت أن أعلمها ..حاولت أن أنصحها فقط ..لكنها لا تحب الناصحين ...قالت الأم : أين حذاؤك القديم يا مها؟ ..ردت مها :لماذا يا أمي ؟..أحضريه فقط وسترين ما سأفعله ..هرولت مها تبحث عنه ..ثم جاءت تحمله وهي تضحك كم كانت قدمي صغيرة ..الآن قدمي كبيرة ..لماذا يا أمي لا تعطي هذا الحذاء لجارتنا الفقيرة التي انتقلت من حيّنا ..اتصلي بها لتأتي بسيارتها لتأخذ حذائي  القديم لابنتها الصغيرة ..رددت الأم  لتأتي بسيارتها لتأخذ حذاءك القديم ...كم أنت رحيمة يا مها !! ... ما رأيك أن تلبسي القطة حذاءك الصغير فالأقربون أولى بالمعروف ..ما رأيك ؟؟..تعجبت مها من هذا الطلب ..نظرت إلى أرجل القطة ثم نظرت للحذاء ثم قالت : لها أربعة أرجل ..وأنا  لدي فقط رجلان ..لا بأس سآتي بحذاء عائشة أيضا..صرخت عائشة لا علاقة لك بحذائي ... ..ضحكت الأم ثم قالت :..متى ستنظفين أسنان القطة ..ضحكت مها وقالت لقد عضتي آخر مرة حاولتُ فيها رؤية أسنانها إنها شرسة ..تضحك مها ..ردت الأم..اذهبي يا مها وأحضري للقطة ما اشتريته لك من  أقلام وألوان ودفاتر ..صاحت مها متعجبة والابتسامة تكسو وجهها ..ماذا تقولين يا أماه ؟؟ ..إنها قطة وليست إنسان ...أتريدينها أن تكتب وترسم ؟؟..مستحيل ...فردت عائشة ولكنك يا مها أردت معاقبتها لأنها لم تسمع الكلام ..أليس كذلك؟؟ بل قمت بضربها بهذه العصا أتنكرين ذلك ؟؟ تدخلت الأم ..حقا يا مها ضربت قطتك ؟؟آذيت هذا الحيوان الأليف ؟؟تعذبين الحيوان يا مها ألا تخافين الله أتحبين أن أضربك بهذه العصا ..تماما كما فعلت مع هذه القطة التي لا تفهم لغتك .. وجدت مها نفسها تحيطها الاتهامات من كل جانب ..وقفت وكأنها أدركت أنها كانت على خطأ ..نظرت إلى قطتها بأسف ..ثم قالت أعتذر منك يا قطتي أنا لن أقسو عليك مرة أخرى حاولت مها أن تأخذ القطة من بين يدي والدتها ..لكن القطة فرت هاربة ..لحقتها مها وهي تقول عودي إلي يا قطتي فلن أؤذيك ثانية ..سأجلب لك الحليب ..عودي ..هربت القطة واختفت عن الأنظار ..عادت مها إلى البيت ..مكسورة الجناح ..نظرت إلى أمها والدموع تملأ عينيها الخضراويتين..
أين ذهبت قطتي يا أمي ؟؟..أين ذهبت قطتي يا عائشة ؟؟يبدو أنني كنت قاسية جدا عليها ..لم لم تسامحني ..وبدأت مها بالبكاء أريد قطتي أريد قطتي ..عاد الوالد من عمله مبكرا على غير عادته ...سمع صراخ ابنته وبكائها الرنان  اقترب منها وحملها بين يديه وأخذ يجفف دموعها ويقبلها محاولا تهدئتها..لا تبكي يا حبيبتي المدللة ما الذي يبكيك ؟ قطتي يا أبي قطتي ؟؟رد الأب : ماذا حدث لها هل ماتت !!مسكينة من دهسها ؟؟ علا صوت البكاء ..لا تقل ذلك عن قطتي ..لا تقل ذلك عن قطتي ..إذا ماذا حدث لها ..قال الأب ..ردت البنت باكية :هربت هربت قطتي ..هز الأب رأسه وكأنه متألم مما سمع هربت القطة !! أنا أعجب من صمودها معك طول هذه المدة ..كانت تحبك كثيرا والدليل أنها فقط الآن هربت لوكنت مكانها لهربت من زمن بعيد ...زاد صراخ مها ..أريد قطتي ...احتار الأب كيف يسكت ابنته المدللة فاقترح عليها اقتراحا ..لا تغضبي نفسك غدا سنذهب سويا إلى السوق لنشتري قطة أجمل من قطتك الأولى ما رأيك يا حبيبتي ؟؟ زاد بكاء مها وهي تردد أريدها هي.. لقد تعبت في تربيتها لا أريد غيرها ..تركت مها حجر والدها والدموع تكسو وجهها لقد أعياها البكاء ذهبت لسريرها تجر قدميها جرا .. أسرعت أختها لتحملها بين ذراعيها......كان يوما شاقا على أختها المدللة ...مسكينة أرادت تأديب قطتها فأدبتها القطة .. ..وضعتها على سريرها..بعد أن خلعت حذاءها ....رددت عائشة مبتسمة بهدوء.. تريد أن تلبس قطتها حذائي وغدا ستلبسها ملابسي الحمد لله أن القطة قد هربت .... وجود القطة كان بالنسبة لنا أزمة .. غطتها بحنان مسحت دموعها ..داعبت خصلات شعرها الأسود الطويل .....أحلام سعيدة يا مها ...خرجت عائشة من غرفة أختها الصغرى مها وأغلقت الباب بهدوء..توجهت إلى غرفة الجلوس ..جلست مع والديها قليلا..سألت عائشة والدتها : هل ستعود قطة مها يا أمي ؟؟ فأجاب الوالد ::لا أظنها تعود ..لقد كانت مها قاسية في معاملتها معها وهذه الحيوانات الأليفة إن لم تجد الألفة عند من يملكها فلن تستمر معه ..ردت الأم :لكن مها تحنو عليها كثيرا ....أتمنى أن تعود ..لا أريد أن أسمع بكاءها غدا مرة أخرى فاليوم كان حافلا بالصراخ  لنذهب جميعا للنوم ..سألت عائشة والدها متى ستنتهي رحلة الكشافة الذي ذهب أخي أيمن  برفقتهم؟؟ رد الوالد :أعتقد أن غدا سيكون أخوك معنا .سنتناول طعام الغذاء معا إن شاء الله..ذهب الجميع للنوم وأطفئت مصابيح المنزل..
وفي الصباح استيقظ أهل البيت على صراخ مها .... أمي.. أبي ..عائشة ..لقد عادت قطتي لقد عادت قطتي ..احتضنت مها قطتها قائلة لها لن أعاقبك ثانية ..لن أضربك ثانية ...ما كنت أعرف أنك صغيرة على الضرب ..في العام القادم سأبدأ بتأديبك ليس الآن ليس الآن ....  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق