الخميس، 26 فبراير 2015



مجموعة قصصية بعنوان (( أشرقت ))

v   القصة الأولى  ( التحدي )
v   القصة الثانية ( ثمن الغربة )
v   القصة الثالثة (أريد والدي )
v   القصة الرابعة ( ماجد ذكرى باقية )
v   القصة الخامسة ( لا أحب القيود )
v   القصة السادسة (قلب لن يموت )




القصة الاولى (( التحدي ))


استيقظت فزعة على دقات الساعة التي لا تهدأ و لا تتوقف , اتجهت إليها بعنف تحاول إيقافها , لكن هيهات هيهات للزمن أن يقف أو يسمح للغير أن يوقفه , تحركت ببطء  لتنظر من شرفة غرفتها تحاول أن تلتمس من يخفف عبء الهموم التي تجيش في صدرها , لم تر سوى ليل بهيم و هدوء سقيم يخيم على من حولها ..و قطة تنوء تمشي بخطى مثقلة , نظرت إليها بدقة و كأن القطة شعرت بمن يراقبها .. فأسرعت و اختفت عن الأنظار .. قالت في نفسها ..(( إلى متى ستظل صورته رهينة قلبي .لماذا وجب علي كل هذا الألم .. لماذا لا أرضى بما كتب لي .. نعم كانت بيننا علاقة حب ظننت أنها أبدية .. كنا نحلم بكل شيء , عشنا عالما كالأسطورة أو قل من الخيال ... و ما كنت للحظة واحدة .. للحظة واحدة .. ما كنت أظن  أننا سنفترق )) .. استيقظت من غفوتها على صوت منبه من جهازها النقال .. لقد عبأت الساعة في هذا الوقت المحدد حيث أنها ستصلها رسالة من بعد المنبه بدقيقة واحدة .. و ما زال المنبه يعمل و يدق ويرن  كما ضبطته من شهور .. و لكن مدد الرسائل وقف منذ زمن بعيد ..هي تراه بعيد رغم أنه قريب .. هي حزينة في ذاتها .. هي أرادت ذلك . كان يسعدها .. كثيرا.... نقشت صورته في كل مكان .. على جدران قلبها ..على حائط غرفتها حتى  على نافذتها.. . في كراساتها .. هي تعشق الرسم ..كان دائما  يمدحها ..(كم أحب مداعباتك مع ريشتك ) رغم أنه لم يرها كان يقول لها أنها في قلبه  , كثيرا ما كان يردد هذه العبارة و كثيرا تجد نفسها  تحلق في الفضاء عندما تسمع هذه العبارة , فتكثر من الرسوم تأكيدا لما يقول و كأنها تقول له اسمعني أكثر فما تقوله مدادا لحياتي .. أريدها أكثر .. كان حنونا معها جدا احتواها بحنان .. كان بالنسبة لها أما و أبا و أخا كيف لا و هي طفلته المدللة كما كان  يقول .. كانت تراه دائما يسير بخطى ثابتة نحو مدرسته .. و كبر و كبرت نظراتها له .. و نمى حبه في قلبها ..هو لم يرها مطلقا ..فقط من خلف نافذتها رأى بريق عينيها    نمت مشاعر المحبة عبر أسلاك الهاتف .. بضربة زر غير مقصودة كان ردها على الهاتف ..لتختلط مشاعر غريبة عجيبة منذ البداية حاولا ألا يكملا..لتمسك كل منهما بعاداته و تقاليده .. و لكن المرة الثانية كانت أقوى تأثيرا.. فقد تدخلت وساس الشيطان لتجعل الحرام حلالا ..ماذا سيحدث إن كلمته .. و ماذا سيحدث إذا كلمها .. مجرد كلمات ..لا تضر ماذا سيحدث ..صغرت في أعينها الخطيئة و كبرت معها المشاعر ..هي كانت مشاعر مالبثت إلى أن اتقدت نارا..فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة بل بكلمة أو همسةأو حتى زفرة أو نفثة أولى .. هكذا لعبت حرارة الهاتف لعبتها  مع الاثنين هو لم يرها و هي حاولت مرارا أن تراه فمرة تصيب و مرة تخيب و لعب القدر لعبته  ..كيف لا و هي ابنة الجيران ..و هو ابن الحارة التي تسكن فيها لذلك كانت تسترق النظر برؤيته كان يعلم تماما أنها تراه..
كيف لا و هو من كان يسهل لها أن تميزه من بين أقرانه ..لكن هو اكتفى بنشوة الذكورة في ذاته لقد اختارته من بين الكثيرين لتسلط الضوء عليه .. عليه هو ..هو فقط ..هو لم يفكر يوما أن يلتقيا مرة خارج المنزل كما يفعل العشاق ..هو أبدى محبة لها .. و عناية لمشاعرها ..هي تصغره بعدة سنوات ..لا بأس المهم أن يهتم كل منهما بالآخر ..اهتماما يحيطه من كل الجهات .. فمجرد  أن تشعر أنك محور اهتمام شخص ما .. هذا يصل بك إلى النجوم لتعانقها بل قل إلى السحب لتمرح معها بل قل هذا الاهتمام يجعلك تمرح مع نسمات الهواء  ..تنتقل كريشة بيد فنان يعبث بها كيفما يشاء ..  عادت ثانية إلى هاتفها ..تنظر إليه بإشفاق تسائله ..أين صوت من أحب ؟ تكلم ؟؟أين أنت يا أنا ..ألم يضنك البعاد ..طال الغياب أين و متى اللقاء؟؟ ....كيف أذنت لجسدك أن تهجر روحك ..كل هذا الوقت ..شهور هو هذا الأسبوع الذي لم أسمع صوتك فيه .. و بينما هي تبحر في خيالها ..و إذا بصوت الباب يطرق ...من هناك؟؟تسأل هي ..فجاءها صوت أختها الحنونة الكبرى حنان.. اسم على مسمى .. أأدخل ؟؟ فردت سلمى ..أمثلك يستأذن؟؟  ادخلي يا حنان ..دخلت  الحنان ممشوقة القوام ذات الشعر الفحمي الطويل تربطه بشريط أخضر ..تحب اللون الأخضر ..رمز الحياة ..حتى غرفتها فقط صبغتها باللون الأخضر ..  حنان كلها حياة و حيوية و نشاط ..ماذا تفعلين يا سلمى .. لا شيء يا أخيه .. هل أنت مستعدة لنا موعد مع الطبيبة أخبرتك بالأمس عن الموعد   .. لا لا أريد الذهاب ...سئمت منهم يا حنان لا أريد الذهاب ثانية كلهم كاذبون .. ماذا تقولين يا سلمى ؟؟؟ هم ليسوا كما تقولين .. إنهم ملائكة الرحمة فردت غاضبة..رحمة رحمة ..عن أي رحمة تتحدثين ؟؟ سئمت كلامهم سئمت تحاليلهم ..نفس العبارات يكررونها ..لن  أذهب معك يا حنان اتركيني و شأني أرجوك فأنا متعبة جدا جدا روحا و جسدا .. ستتأخرين عن جامعتك ...لا تهتمي بي أرجوك .. دعيني و شأني ..هل ذهب علي للمدرسة ..نعم ذهب جاءته الحافلة منذ ساعة .. هيا يا سلمى هداك الله .. فحالك لا تسر منذ أسبوع ..(آه  لو تدرين ما بي يا حنان لما نظرت إلى نظرة الحب التي أراها بعينيك الآن ) تحدث سلمى نفسها .. هيا  يا سلمى السيارة تنتظرنا أنا في الخارج سأبعث الخادمة لأخذك .. قلت لن أذهب ... لا تنتظريني ..أرجوك ...لم أنت مصرة ...على أخذي هذا الأسبوع لتؤجل الموعد الأسبوع القادم أعدك أن أذهب معك ..
تركت حنان المكان بعد إلحاح شديد من سلمى ..أدارت ظهرها لها بعد أن رمقتها بنظرة غاضبة كلها دهشة .. تتمتم لا أدري إلى متى يهمل الإنسان في صحته  لا أدري إلى متى هذا العذاب ..؟؟ لا أدري و طرقت باب الغرفة بعنف ..أزعج سلمى أدارت سلمى عجلات كرسيها المتحرك لتذهب هناك لتعانق النافذة .. فمرة ترمي نظراتها إلى الهاتف و مرة هناك إلى نهاية الشارع علها ترى طيفا من بعيد ..تعلل النفس بعسى.. و مر اليوم ثقيلا ..بطيئا .. حزينا
عادت إلى سريرها.. محاولة جاهدة أن ترفع نفسها بنفسها لترتاح على السرير .. نجحت ولكن بعد محاولات كثيرة يائسة ..رمت نفسها على السرير و ذهبت في نوم عميق .. كيف لا؟؟ و هي لم تذق طعم النوم لأيام ... قالت في نفسها لم أره في اليقظة ربما أراه في أحلامي .. أغمضت عينيها و راحت في سبات عميق ... و استيقظت على رنين الهاتف مذعورة .. تستعيذ بالله مما رأت في أحلامها ... استيقظت منزعجة جدا... و ما إن  فتحت عينيها حتى غمرتها رائحة منعشة ملأت أنفها وأحاطت أركان الغرفة .. يا إلهي ما هذه الرائحة؟ .. ما مصدرها ؟..رفعت رأسها تتبع مصدر الرائحة ..فإذا بباقة ورود كبيرة بجانب سريرها ...   أذهلتها المفاجأة ..ورود في غرفتي ..من أين لي بها ؟؟ ما أجملها ..ألوانها رائعة..يالجمالها أكثرها ورد الجوري الأحمر تحيط بها الورود البيضاء يتوسطها وردة بنفسجية كبيرة رائعة اللون ..كل ورقة فيها محاطة بسياج وردي ...في قمة الروعة تنقلت ببصرها إلى عجائب قدرة الله في خلق الورود لتقول سبحان من صورها ..كل شيء في الكون يدل على أنه واحد أحد ..سبحان الله..رن منبه الساعة..   نظرت إلى هاتفها فضحكت.. نعم إنه رنين المنبه ..كالمعتاد ..رن المنبه فقط و ما رن بعده شيء ..عادت لتنظر للورود منبهرة ..من يا ترى وضعها؟ ..من يا ترى أهداها لي ..لابد أنها من شخص يحبني .. نظرت إلى نافذتها الليل يكسو المكان..متى ستشرقين يا شمس لأسأل أختي أو الخادمة من أحضر هذه الورود لي ..أغمضت عينيها لترى صورة من تحب في خيالها يمرح ..فتحت عينيها ثانية لتختفي الصورة هي لا تريد لها أن تختفي هي تتمنى أن تحقق الأحلام ..و لكن هيهات هيهات ...
استيقظت لتنعم برائحة الورود.. فكيف ستعود للنوم ثانية؟ فتحت الصندوق الذي بجانب سريرها ...لتخرج الصوف و السنارة لتكمل القميص الذي بدأت فيه منذ أسبوع... شيء تتسلى به هي تحب أن تصنع شيئا من لا شيء ..لم تستطع مسك كرة الصوف فتدحرجت على الأرض فحاولت أن تمسكها عبثا لكن محاولاتها ...جميعا باءت بالفشل ..نظرت لكرسيها فكان بعيدا عنها ..ماذا ستفعل؟كم مرة قلت للخادمة أتبقي الكرسي بجانب السرير هذه الخادمة سأقوم بتبديلها لقد سئمت من تعليمها هي لا تفهمني أبدا .. .. هذه المرة سأعتمد على نفسي ..  حاولت أن تنهض فما استطاعت لتحجر قدميها هي أراحت قدميها ولم تطلب منها أن تعمل فاستكانت القدم وذهبت في سباتها العميق رافضة محاولات حنان لها بالعودة ..
وأخيرا وضعت قدميها على الأرض ..حاولت إمساك كرة الصوف..حاولت و لكن الكرة ابتعدت كلما اقتربت يد سلمى منها ...سقطت على الأرض سلمى ..تعلقت بحافة السرير..حاولت النهوض..فسقطت مرة أخرى حاولت ثم سقطت..سقطت و انهمرت الدموع من عينيها غزيرة..لأول مرة تعيش هذا الصراع.. الذي حاولت جاهدة ألا تدخله مع نفسها .. منذ أن جلست على هذا الكرسي ..سقطت فتعلقت بالمفرش الذي كان تحت باقة الزهور.. و سقطت باقة الزهور عن الطاولة التي بجانب سريرها ..تناثرت الورود على الأرض ..أبكاها منظر وردها المتناثر..أبكاها ما حدث حولها..زهور متناثرة و صوف هارب و هي على الأرض بلا حركة..و من بين ضباب دموعها وقع نظرها على رسالة بين الزهور..مسحت دموعها بكفيها وفتحت عينها أكثر لتتأكد مما تراه ..نعم إنه ظرف رسالة..زحفت لتصل إليه..
و أخيرا وصلت إليه .. نظرت جيدا ..تفحصته وقلبته يمنة ويسرى ..ظرف محكم الإغلاق..حاولت فتحه بعناية حتى لا تمزق ما بداخله..   يا إلهي رسالة..حقا إنها رسالة و لكن ممن يا ترى ؟! إنها مبللة بالماء فقد وقع كأس الماء الذي بجانبها على الزهور..و عليها ..حاولت فتحه..بيد مبلولة..وأنامل مرتعشة... حاولت عبثا فتح الرسالة .. لم تفتح إلا بتمزيق أطرافها..مزقتها بلطف شديد و أخيرا فتحتها ..و إذا برائحة عطر ذكورية تنبعث منها..يا الهي ..رفرف قلبها كالجريح فقالت له يا قلب اتئد..كيف يهدأ ؟؟و هو يرى شيئا عجيبا غريبا ما عهدته مسبقا ..رائحة الظرف تشبه رائحة عطر والدها رحمه الله ..كانت آخر رائحة عطر ذكوري شمته قبل الحادث بساعات ..كان والدها وسيما ..رجل معروف بدماثة خلقه ..إنه صاحب أكبر شركة سيارات في المدينة بأسرها ..كان محسودا رغم حبه لعمل الخير مع الجميع ..يسارع بتقديم المساعدة لأقربائه رغم جفائهم و حقدهم عليه..دائما كان يكرر أريد أن أكون محسنا لا مكافئا كل يعمل بأصله..طيب القلب حنونا..من حنانه ..جاءت حنان الأخت الكبرى و لأنه بارا بوالدته سمى سلمى على اسم أمه و علي على اسم والده ..نقطة ضعفه حبه للانطلاق ...منطلقا في مشاريعه حد المجازفة متوكلا على الله و الله رازقه..منطلقا في حب الخير.. يده البيضاء طالت البعيد قبل القريب..أحب أمي كثيرا ..و من لا يحب أمي..تلك الزوجة التي ينطبق قول الرسول صلى الله عليه و سلم إذا نظرت إليها سرتك ..ولود ودود .. لذلك اجتمعا على الحب و المودة و افترقا معا في حادث سير..أثناء طريقهما إلى المزرعة حيث قد حان وقت الحصاد..لا أنسى تلك الليلة قاما بتقبيلنا جميعا بعد أن...تناولنا العشاء سويا ..كان دائما يقول لي لابد أن تشتركي بسباق الماراثون فلديك ساقان طويلتان ... أجمل شيء ورثته عن أمك ..ضحكنا كثيرا ..نمنا و الابتسامة على الشفاه لا تفارقنا ..ما كنت أظن أن وراء كل ابتسامة دمعة و وراء كل فرحة ترحة ...استيقظ والدي صباح ذلك اليوم ..بعد إعلامنا على العشاء ..أن وقت حصاد الثمار قد حان سيخرجان صباحا بعيد الفجر .. فهواء الفجر المنعش..كله حيوية و نشاط ..ليقوما بتوزيع المحصول على المحتاجين و الفقراء كالمعتاد ..كثيرا كنت أقول له يا صاحب السيارات مالك و المزروعات ؟..ما سر اهتمامك بالزرع يا والدي ؟..ويحك يا سلمى ..الزراعة طريق لجمع الحسنات ..جمعا لا يعمله إلا الله ..ثم إنها مزرعة والدي و قد أوصاني كثيرا عليها..إنها امتدادا له ..و ذهب والدي بعيد الفجر مع أمي حبيبتي التي كانت تحيطني برعايتها الخاصة جدا لي لشدة شبهي بها..مما أثار غيرة أختي مني..كثيرا ما  كانت تكرر سلمي مني و أنا منها ..شبيهتي صاحبة القوام الممشوق ..كانت تمشط شعري بيديها و توصلني إلى الحافلة التي فضلتها على سيارتنا الخاصة لحبي لصديقاتي ..و فركوب الحافلة صباحا يضفي جوا من المرح الذي أحب  ..كانت تحرص على وضع شطيرة الجبن التي أحب في حقيبتي ..
و كثيرا ما تردد ..إياك أن تنسي الفطور يا حبيبتي يا سلمى كلماتها مازالت ترن في أذني ..كم أهواك يا أمي..أين أنت يا أماه؟..كم أحتاج لحضنك الدافىء..كم أحتاج للمسة يديك تداعب خصلات شعري..قدماي يا أماه ما عادت لهما الحياة..بعد فقدي لك..ذهبتما بعيد الفجر و إلى الآن ما عدتما و جاءنا خبر الحادث المفجع الذي أودى بهما سويا..و كأن القدر شاء أن يظلا رفيقين في الحياة و الممات ..سمعت الخبرو أنا عائدة من مدرستي عند أول خطوة أخطوها في ردهات المنزل..لتكون الخطوة الأولى و الأخيرة..فما عادت قدماي  تقوى على حملي وجدت الحزن و الهم..قد سكنا قدماي الجميلتان حتى الثمالة ..مسحت دموعي بكفي لم كل هذه الذكريات جاءت الآن على خاطري.. نظرت إلى يدي  فإذا بالرسالة بين أناملي  أتلو ما فيها..و يا لمفاجأة ما أقرأ..(( أعتذر حبيبتي لن أعيش مع مقعدة وداعا لا تنتظريني بعد الآن ))..تمنيت أنني جاهلة أمية لا تعرف القراءة ..تمنيت حينها أنني لا أرى ما رأيت..تمنيت أنني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ....ورودا بيضاء و حمراء و فيها كلمات لفظها الأفعى سما قاتلا في سويداء قلبي ..كيف رآني؟؟ متى رآني ؟؟ كيف لم يخطر ببالي أن ذلك ممكن الحدوث ..كم كنت غبية..كيف تناسيت أنني مقعدة..ياااااه ..كم  غطى هواك على بصري.. يا لها من صفعة مؤلمة قوية أيقظتني من سباتي..كم كانت مؤلمة ..أنا مقعدة ..و هو لن يعيش معي ..و لكني لست مقعدة ..لست مقعدة .من قال أنني مقعدة ؟؟أنا من ترفضه لا هو من يرفضني  ..بدأت أزحف هنا و هناك كالسلحفاة تبحث عن شيء ما..أحاول جاهدة تحريك قدماي فما استطعت ..خاطبتهما تحركا..تحركا...و لكن هيهات هيهات ..نظرت للورود راتها سوداء كالحة..نظرت للهاتف رأيته حجرا  أخرسا ..نظرت للنافذة و جدتها قضبان حديد ..كل ما حولي ..يطبق على صدري أكاد أختنق ..أختنق ..هواء الغرفة أشعر به سموما تطبق على صدري زحفت حتى وصلت إلى باب الغرفة ..السكون يخيم على المكان ..الكل في سباته العميق ..إلا عيني فما ذاقتا طعم النوم ..فتحت الباب بصعوبة شديدة ..زحفت للخارج  لاهثة وصلت للدرج حاولت الوقوف فما استطاعت ..حاولت مرة أخرى..اقتربت أكثر من حافة الدرج ..اقتربت أكثر..أكثر..انزلقت يداها..فتدحرجت على السلم ..هذا آخر شيء تتذكره ..وجدت نفسها على سرير أبيض و حولها ملائكة الرحمة كما يسمونهم.. شاشة بيضاء على الرأس و على القدم و شاشة تلف الأيدي..أين أنا؟؟..و إذا بأختي الحنون نائمة على سرير بجانبي ..أين أنا ؟...قفزت أختي نحوي ..هل أنت بخير يا سلمى ..أين أنا؟؟.. من أحضرني إلى هنا ؟؟..آآآه يا رأسي كم يؤلمني  ..ما الذي حركك عن سريرك يا سلمى ؟؟كيف وصلت إلى باب غرفتك؟؟كيف فتحتها؟؟و كيف وصلت للممر ؟؟كيف وصلت إلى الدرج؟؟..أسئلة هوجاء عصفت بي في يوم مؤلم..ما مر علي مثله قط..نظرت إلى حنان فما وجدت فيها الحنان ..أنظر إلى عينيها تقدحان شررا ..و فاها يتحرك يمنة و يسرة ..يداها تلوحان في الهواء ..أنظر ولا أرى..أسمع ضجيجا..و لا أفهم منه شيئا و عدت في سبات عميق..فتحت عيني ثانية بصعوبة..لأرى ضباب شخص يقف أمامي..هل أنت بخير؟! هل أنت بخير ؟؟...تسمعينني ..أغمضت عيني و أجبت سائلي نعم أسمع ..أسمع ..أنا بخير..خرجت الحروف بطيئة في سيرها ..زاحفة من فمي..بصعوبة قلتها..حقا كم أنا متعبة ..نظرت إلى آخر سريري لأرى وجوها غريبة تجلس أمامي و الابتسامة مرسومة على شفتيها ..تبدو سعيدة ..ما سر سعادتها؟؟.. لست ادري ..نظرت يمنة و يسرى و إذا بأختي تحتضن يدي ..ابتسمت..عاد الحنان إلى حنان رمقتني بابتسامة ناعمة كما عهدتها و أشبعتها بقبلة على جبيني ..كم كانت دافئة حمدا لله على سلامتك أيتها الغالية ..لم أحطتنا بسياج القلق عليك يا أختاه.. رددت قلق؟! أين أنا يا حنان و ما الذي جاء بي إلى هنا و لم كل هذه الشاشات تلتف على يدي و قدمي ..آه كم تؤلمني قدماي ..ما إن انتهيت من جملتي الأخيرة حتى علت ضحكة مسعورة أرجاء الغرفة زلزلتها ..وزلزلت من فيها ..هجمت أختي على الطبيبة هذا يبشر بالخير...أليس كذلك أيتها الطبيبة..فأومأت الطبيبة برأسها أن نعم...إنه يبشر بالخير..عن أي خير تتحدثين؟؟...عادت حنان لتسقيني الحنان ماذا قلت يا سلمى...بماذا تشعرين الآن؟؟..ماذا يؤلمك؟؟..شعرت أنها تريد سماع جملة محددة..محددة مني..لنطير فرحا..و يحدث الزلزال ثانية و لكني أشفقت على من حولي..أومأت لها برأسي فجاءت أذنها لتلتصق بفمي...أضحكني تصرفها..هكذا هي حنان تحب المرح و لا للترح شعار أخذته على نفسها ..كن سعيدا ترى الوجود سعيدا ..و كن جميلا ترى الوجود جميلا ..هي دائما سعيدة..ترسم الابتسامة على شفتيها تزرعها رغم أمطار العيون المستمر على حالي..أبعدتها قليلا عن شفتي..و همست قائلة..قدماي تؤلمانني ..فما إن سمعت هذه العبارة حتى اختلطت الدموع بالضحك بشكل هستيري..كم كنت أحب سماع هذه العبارة..سنوات مرت و أنا احلم بهذه العبارة كم تمنيت أن اسمعها منك..مع كل رحلة علاج..كم كنت بخيلة علي فقط حروف تخرجني من حلق الضيق إلى فسحة السرور..ماذا أرى ..الغطاء الأبيض يتحرك ..نعم حركة بطيئة و لكن دبت الحياة لمن كتبت سلمى له الممات رغم أنه باق على الحياة ..لا يموت بموت الأحباب ....و تخرج الآهات كزغاريد عرس ترن في أذني...آآآه تؤلماني كثيرا يا حنان..تخرج حنان مسرعة..تنادي الطبيبة التي خرجت فقط من دقائق معدودة ..تعود بها ممسكة إياها بشدة خوفا عليها من أن  تهرب..انظري أيتها الطبيبة إنها تحرك قدميها ..تبتسم الطبيبة ابتسامة القائد الماهر الواثق بجنوده الأغوار ومؤمن بالانتصار في نهاية المعركة..كنت أعلم أنها ستحركها كنت على يقين أن الحياة مازالت فيها ..حركيها قليلا يا سلمى ..
تحاول سلمى تحريك قدميها ...و لكنها تؤلمني يا طبيبة..لا باس يا سلمى ألم بسيط ..ألم لابد منه صدقيني هي سعيدة جدا بهذه الحركة..لقد حركتها منها رغما عنها ...و ها هي تكافئك على العودة..و لكل منا طريقته ..انتقلت الابتسامة منتشية راقصة على الشفاه ..و أنا انظر إلى لمسات الحنان التي تداعب بها الدكتورة قدمي نظرت إلى أصابع قدمي و كأني أراها الآن فقط ..أنها تتحرك ...فما أجمل حركتها ..لمسات حانية بدأت الدكتورة تنقلها..و الابتسامة تعلو الوجوه...آآه  يا رأسي كم  يؤلمني...أسرعت الممرضة بكوب ماء و معه حبة دواء و تناولتها بهدوء و يسر..و ما هي إلا لحظات حتى عدت إلى سباتي...
و على رنين هاتفي استيقظت..نظرت إلى هاتفي ..و ضحكت..أما زلت على حالك يا هاتفي...و ضعت رأسي على وسادتي و دارت الأحداث في مخيلتي..أجمل ساقين ...ثم جمدتا..و ها هي تعود الحياة الراقصة لهاتين القدمين...دبت فيهما الحياة كما دبت في هاتفي شكرا يا هاتفي المحمول ..ما عدت مهتمة برنينك ثانية...سأبدأ الحياة من جديد حياة هجرتها..بل قل وأدتها بيداي..أمي أبي...سامحاني...غيابكما عني أدماني ..و لكن و عدا أنني سأعود كما عهدتماني ..حنان..حنان..و جاءت حنان تهرول و الابتسامة ترقص على محياها ..ماذا تريدين يا حبيبتي؟؟.... متى سنخرج من المستشفى؟؟متى؟؟حقا متى ...يا دكتورة ..يا دكتورة..جاءت الدكتورة مسرعة ماذا هناك ؟ ماذا حدث؟؟ متى ستخرج سلمى من المستشفى؟؟  نظرت الدكتورة إلى سلمى ثم تابعت النظر إلى قدميها ...ثم قالت..متى تحب سلمى؟؟ فالأمر منوط إليها ...فرددت سلمى :الآن أريد الخروج الآن رددت سلمى  ..لا بد أن أعوض كل ما ضيعته..أضعت الكثير..الكثير..كيف سأتابع جامعتي يا حنان؟؟..... وقعت الجملة كالصاعقة على مسامع حنان...ماذا تقولين ؟؟؟الجامعة؟؟..... حقا تريدين إكمال جامعتك؟؟ ويحك يا حنان و هل تظنين أنني سأظل رهينة المحبسين؟؟..غرفتي و كرسيي..مللتهما كلاهما..هيا هيا..فالطريق طويل و العمر قصير..و كفانا عبثا..سأخرج اليوم ..لابد من الخروج هيا هيا ...نظرت سلمى إلى قدميها تحاول تحريكهما حنان تنظر بحذر شديد تنظر بأمل و سلمى تحول جاهدة بكل ما أوتيت بقوة...بجهد كبير حركت قدمها الأولى و بجهد أكبر حركت قدمها الثانية و كأنها تحرك جبلا من مكانه .. الجبل لا يتحرك و لكنها هي بإرادتها حركته..أغمضت عينيها و خرجت زفرة عميقة من أحشائها ...دموع ذرفتها مقلتيها حاولت إخفاءها عيثا..احتضنتها حنان بكل حنان و شاركتها البكاء .. لا تيأسي يا سلمى محاولاتك مكللة بالنجاح ..هكذا عهدتك ..إرادة تناطح السحاب ...همة عالية استمري...تابعي ..تعيد سلمى محاولاتها...و أخيرا نجحت...هاهي تحرك قدميها..نعم بصعوبة بالغة ..و لكنها تستمر..
يا إلهي للمرة الأولى تلامس قدميها الأرض..اشعر بقشعريرة تسري في جسدي ...تسرح قليلا ..تفكر..متى آخر مرة لامست قدمي الأرض؟؟ دوار يصيب رأسها ...أين أنت يا أماه..كم أفتقدك..تمسك حنان  بذراع أختها و تمسك الطبيبة من الجهة الأخرى ...ها هي سلمى تخطو بخطواتها الأولى على الأرض التي خاصمتها منذ زمن ليس بالبعيد..ها هي تصافحها بعد غياب ..لقاء الآبق بسيده  و ها هي تسير....نعم في مكانها تسير..و لكنها محاولات رائعة تستحق الشكر و الثناء ..لابد أن أتابع المسير كفاني..تراجعا...و ما هي إلا أيام لتعود سلمى مصافحة جدران الجامعة لتعلنها واضحة جليه ..لابد لليل أن ينقضي ولابد للقيد أن ينكسر ..قوبل عودتها إلى الجامعة  بترحيب كبيرمن أساتذتها و رفيقاتها و ها هي تعود ...تعود للحياة ثانية ...ترسم ابتساماتها على دفتر محاضراتها ..تستقبل يومها بصدقات جارية..عادت لتكمل مسيرتها...كم هي متميزة..الجميع يحب وجودها..تضفي جوا من السعادة و الهناء على المحيط الذي تتواجد فيه...و مرت الأيام سريعا..تصافح نجاحاتها الباهرة..صورة والديها لم تفارقها ...في كل خطوة تشعر بسرورهما بها..و جاءت لحظات السعادة تلفها و هي تجلس في غرفتها تحاول أن تلتقط أطايب الكلام ماذا سأقول لأساتذتي ؟؟...في هذا اليوم.... ماذا سأقول لزميلاتي؟؟ ماذا سأقول لأحبتي ...جلست تداعب خصلات شعرها الحريري المنسدل على كتفيها ...تحاول أن تبعده عن عينيها السمراويتين..تفكر...تفكر و تفكر..تحدق في غرفتها تنظر إلى نافذتها..تسرح..تسرح كثيرا كثيرا..تنظر إلى سريرها...تنظر إلى زاوية الغرفة..ماذا ترى إنه كرسيها المتحرك تتساءل لم مازلت هنا؟؟ ..يا لندا ..لندا..تهرول خادمتها إلى حجرتها نعم سيدتي ماذا تريدين؟؟لم هذا الكرسي قابع في زاوية غرفتي؟؟أما آن الأوان أن يختفي من هنا..هيا هيا..لا أريد أن أراه هنا ثانية..أسمعت ..حاضر حاضر ..أكيد لن ترينه ثانية ..تحركه الخادمة ..ترمقه بنظراتها..هي حزينة من أجله..فالعشرة لا تهون عليها ..و لكن هي لا تحبه ..لا تحبه لأنه رمز الجمود الذي كرهته ..رمز الخذلان ..إنه الضياع بعينه ..هيا اخرج .. اخرج من هنا لا أريد رؤيتك ثانية ..اخرج و تصفع الباب بقوة ..و تتناثر الدموع على و جنتيها..لآلىء مضاءة تنحدر بلا انتظام ..ضباب كثيف غطى رموز الورقة التي تخط فيها كلمة التخرج ..و تمسح دموعها بأناملها المرتعشة ..و تمسك القلم لتحاول الكتابة ..تتراقص الكلمات بين أناملها ... ترص حروفها لتكون عبارات تليق بمثل هذا اليوم المميز ...تنظر لخزانة ملابسها لتختار ما ستلبسه في ذلك اليوم الرائع ..لا لا هي لم تعد تحب اللون البنفسجي ..
أشاحت بوجهها بعيدا عنه و اختارت الأزرق فأمواج البحر تعشقها حتى الثمالة ..كيف لا؟ و نزهة البحر كانت دائما جائزة من ينال الدرجات العليا في المدرسة ...هكذا اعتاد الأبوين مكافأة أبنائهم ...نزهة إلى البحر ..ما أجمل البحر !...لماذا يقولون أنه غدار ؟؟ لا أدري .. و ترتدي الثوب البحري بأمواجه الزرقاء و ترتدي وشاح التخرج ...و تظهر على خشبة المسرح كأميرة البحر حورية ترقبها الأبصار ..و تبدأ بالكلام ... و كأنها شهريان تسرد قصة الكفاح ..كلمات ليست كباقي الكلمات ..الكل مشدوه بما يرى و ما يسمع .. و ما إن انتهت من كلماتها العذبة حتى علا تصفيق حار حار جدا ..لفت نظر الجميع ...هي شد انتباهها كثيرا ..نظرت باستغراب من هذا الذي هز القاعة...القاعة بالتصفيق .. تبعت الصوت ..بعينيها ..دققت النظر ..من هذا الذي أبهرته كلماتها ..صفق كثيرا ..هي جمدت في مكانها ..أذهلتها المفاجأة ..هذا الذي يقف وسط الجمهور ..تعرفه ..تعرفه جيدا..يا إلهي إنه هو ..هو من خلف نافذتي كنت أراه كيف لي أن أنساه ..
و ها هي ذي تبحر في عالم ذكرياتها بينما وقف الجميع مشدوها بكلماتها الرائعة ..تصفيق حار عم القاعة ..تهاني و تبريكات تناقلتها الألسنة ..الكل يصافحها و هي ليست هي..غاب عنها وسط الزحام .. خرجت من القاعة مذهولة..ذهبت تبحث عن سيارتها ..و أخيرا وجدتها ..ماذا ترى ..ورود جورية بيضاء تتوسطها وردة بنفسجية رائعة اللون ..تحجرت أمامها..نظرت بذهول ..و لكن انتظارها لم يطل و إذا بصوت حنون من خلفها..(كنت على يقين أنك ستقفين ثانية و ستعود سلمى كما كانت).



تمت
بقلم
سمر علي نزال      







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق